!رسوم الفرنسي بلانتو الكاريكاتورية «مؤامرة امبريالية» في مصر
«يضرب برسومه على أوتار هموم الحياة, ويعمل على إيقاظ مخيلة القارئ وفضح الواقع السياسي, محتمياً بقوة الرقابة الشعبية, لوحاته الكاريكاتيرية بمثابة مقال قصير يحمل بين طياته قضية ما يترجمها على طريقته بهدف التنفيس عن القارئ».
لكن «التنفيس» الذي نفَّسه أحد أشهر رسامي الكاريكاتير في العالم الفنان الفرنسي بلانتو على غلاف جريدة «أخبار الادب» المصرية الاسبوعية في عددها لهذا الاسبوع كان تنفيساً شديداً لم يعجب كثيرين من المصريين
وعلى رغم الكلمات التي قدمت بها الجريدة الادبية والثقافية المتخصصة لبلانتو تقديماً فاض حرارة وترحاباً لمناسبة زيارته إلى مصر, إلا أن هواة تصفح الجرائد والمجلات «وقوفاً» لدى باعة الجرائد على أرصفة القاهرة لم تفض مشاعرهم ولا جاشت بالترحاب تجاه غلاف الجريدة اللافت الذي رسمه بلانتو
الرسم - الذي يتسع لتفسيرات عدة وجميعها لم يلق هوى لدى العامة - يصور خمسة نماذج نسائية متدرجة يفترض انها مصرية ظهر سيدة تحتسي مشروباً وترتدي بنطلوناً ذا وسط هابط يظهر جانباً من ملابسها الداخلية, ثم يختفي وجهها مع الاحتفاظ بالبنطلون, وفي النموذج الثالث يبقى البنطلون وحده, ثم يبدو في النموذج الرابع اقرب الى رأس امرأة لا تظهر منها سوى نقطتين تمثلان عينيها، واخيراً تتبلور النماذج لتقدم رأس امرأة منقبة ودمعة تذرف من عينها اليمنى
قد يكون رسم بلانتو اسقاطاً على ظاهرة «الحجاب الظاهري» الذي تموج به شوارع القاهرة, ويحوي النقاب, والخمار, وغطاء الرأس المصحوب بأحدث صيحات الموضة الغربية وأفضحها في تناقض غريب. وقد يكون إيماء الى أن التطرفين الديني والاجتماعي وجهان لعملة واحدة, كما أنه قد يوحي بأن المرأة تجمع بين النقيضين المتحفظ والمنفتح (وقد يفضل بعضهم لفظ المنفلت هنا).
كثيرون من متصفحي الجرائد, وحتى من القراء العاديين، لم يعجبهم الرسم الذي رأوا فيه سخرية لاذعة لـ»الاخوات الملتزمات» والغريب أن احداً لم ير في الرسم تهكماً او سخرية من النقيض الآخر للمرأة ذات البنطلون الكاشف. وقد زاد الطين بلة لدى من اكتشف أن الكاريكاتير مذيل باسم اجنبي, وهو ما أدخله في سياق «نظرية المؤامرة الامبريالية» والسعي الغربي لطمس الهوية الاسلامية، الى آخر القائمة المعروفة
وإذا كان كاريكاتير مشابه للفنان مصطفى حسين نشر في جريدة «الاخبار» مر بسلام, فإن هذا لا يعني بأي حال من الاحوال أن انتقاد الظواهر المتعلقة بظاهرة «التأسلم» عملية سهلة ومقبولة اجتماعياً, فقد رسم حسين فتاة فارهة الطول ترتدي ملابس فاضحة وكاشفة وقد اعتلى رأسها الحجاب, ووقف رجلان منكمشان على جنب وأحدهما يهمس «كانوا زمان بيقولوا من بره هاالله هاالله, ومن جوّه يعلم الله». إلا أن الحساسية البالغة في تناول الظواهر المجتمعية الخاصة بالتدين لها استثناءات وإن اتسم معظمها بالمباشرة الزائدة عن الحد والتي لا تناسب طبيعة المجتمع المصري التي لا تحبذ المواجهة الصريحة, ولعل ابرزها الكاتب والاعلامي مفيد فوزي الذي اتهم بازدراء الدين الاسلامي حين كتب معلقاً على تخلي الفنانة الشابة ميرنا المهندس عن الحجاب: «بعودة ميرنا المهندس الى نفسها وفنها وجمهورها تكون بدأت مصر تعود الى مصر, ومعها تعود مصر في مواجهة قوى الظلام والغيبيات ودعاة الاسموكنغ». كما حظيت بموجة الكراهية الاعلامية نفسها رئيسة تحرير مجلة «حواء» الاسبوعية الكاتبة اقبال بركة حين صدر كتابها «الحجاب: رؤية عصرية». وسبقتهما الى الموضوع نفسه الكاتبة نوال السعداوي التي كانت أول من لعب على مثل هذه الاوتار الحساسة منذ زمن طويل وكم من حملات ودعاوى قضائية تحمل اسم سعداوي التي نجحت في استثمارها استثماراً صائباً طبقاً لاولوياتها واهدافها
وعودة إلى بلانتو الذي يتوقع أن يناله من الحملات جانباً, فهو لم يتناول مسألة «التدين» من منطلق نقدي فقط, لكنه يحمل اسماً اجنبياً وجواز سفر غربياً
المصدر: الحياة